القصة الثانية
( مشروع روائي )
... والمثابرة واللباقة في الكلام ، والنجابة ، هذه جملة من صفات حمزة ، وهو عن هذا أشبه بمشروع روائي مقدمٍ ذائع الصيت . أحضره الأستاذ باسم أستاذ اللغة العربية إلى إدارة المدرسة التي يجتاحها الظلام ، ولا تكاد تسمع فيها صراخ من يقع تحت طائلة العقاب ، ذلك لطبقات الستائر التي ربما لا تستبدل كل سنة بل يضاف عليها ، قليل من الطلاب من يدخل الإدارة ، لأنها تمثل المرحلة الأخير من علاج الشغب أو الكي الذي تعالج به المشاكل ، دخل حمزة الأدارة وإلى جنبه الاستاذ باسم ، بدت ملامح التعجب والتساؤل في عيني المدير ،تحدثه نفسه وعيناه تضيقان من أطرافهما : الطالب من أفضل طلاب المدرسة ، وأبوه على درجة من التقى ، ويعرف أصول التربية الاسلامية الحقة ، وقد ربى أبناءه عليها ، وأنا أعرفه جيداً فهو من القلة الذين أحتك بهم خارج نطاق العمل ، ربما هي مشكلة عارضة ، تكلم يا أستاذ باسم ما المشكلة ، عفواً استاذنا الفاضل .. ما من مشكلة ولكني عجزت في التعامل مع هذا الطالب ، وما يشفع له عندي إلا تفوقه في كل المواد ، قاطعه مدير المدرسة : إذن ما المشكلة ؟ . المشكلة أنني أطلب من الطلاب الكتابة في أحد المواضيع وأحددها بنفسي ، وأترك لهم أحياناً تحديد الموضوع ، والطالب هذا أفضل الطلاب في الكتابة والإنشاء ، إلا أنه يقحم الجمل في مواضيع الإنشاء ، وهذا نموذج لموضوعٍ عن " الربيع : ، يحمل حمزة الورقة التي كتب بها الموضوع وقد رسم على ظهرها صورة الجمل ، أمره المدير بقراءة نصه فبدأ حمزة بالقراءة : " إن ما يبهج الإنسان ويمده بالسعادة ويضفي عليه مسحة الفرح ويأتلق بعينيه ، هو فصل الربيع ، ولم يغفل عنه هذا الفصل أي كائن ، فنرى الزهر فتشرق دنيا الفرحة بعينينا ، والفراشاة والأطيار تحوم من حولنا ، ويقول البحتري عن الربيع :
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكاً ** من الحسن حتى كاد أن يتكلما
فليس ثمة أبهى من فصل الربيع الذي تكتسي الأرض بحلوله رداءها الأخضر ، فتقتات به الحيوانات كالجمل سفينة الصحراء ، الذي رافق الانسان في مسيرته ، والجمال نوعان من حيث السنام ، أحدها ذو سنامٍ واحدٍ والآخر ذو سنامين ، وهو يتحمل العطش لأيام عديدة ، ويخزن الطعام على هيئة دهون في سنامه " يقاطعه المدير قائلاً : حسناً يا حمزة ، عد إلى فصلك ،
عاد حمزة ، والطلاب ينظرون إليه وبعضهم يقول ما أشد جلده وتحمله العقوبة ، والبعض الآخر يقول : إنه متخدر بسبب الضرب وسينفجر بكاءا بعد حين ، لم يخرج الاستاذ باسم من الادارة ، قال له المدير ، ليست بالمشكلة عليك أن تقيد المواضيع وأن لا تأت بموضوع يستطيع من خلاله أن يتكلم عن الجمل . حاضر يا أستاذنا الفاضل ..
الأسبوع المقبل سوف لن يتمكن مني ، المسألة أصبحت شخصية بيني وبين هذا الطالب .
في حصة الإنشاء : موضوعنا اليوم هو " الطاقة النووية " عليكم أن تكتبوا في هذا الموضوع كل ما تجود به خلجاتكم ، بدأ الطلاب في الكتابة ، وبعد دقائق استرق الاستاذ النظر إلى ورقة حمزة ، كتب حمزة :" . . . وكما أن للطاقة النووية ميزات وفوائد جمة فإن له ضرراً كبيراً على البيئة ، إذ تؤثر الغازات والاشعاعات المتسربة على الانسان والحيوان والنبات ، فالانسان يتغذي على الحيوان والحيوان يتغذى على النبات كالجمل ، ويتغذى الجمل على النباتات الجافة والخضراء ، ويستطيع تناول النباتات الشوكية كالعقول ، وللجمال ... " هرع الاستاذ باسم إلى المدير واتفقا على تحويله إلى مكتب الشؤون الاجتماعية ، وتم ذلك في غضون ثلاثة أيام ، وأقيمت له الجلسات من قبل الأخصائيين الاجتماعيين ، وحاورته الاخصائية التي يحال لها يومياً الاحداث من قسم الإصلاح ، وغيرهم من مدمني المخدرات الذين تنقطع علاقتهم بالمخدر بعد جلسات معها ، حاورت الاخصائية هدى الطالب حمزة ،قال لها: ... و يا سيدتي الفاضلة ليس لدي مشكلة إلا أنني أحب الجمل فقد ذكره الله في القرآن الكريم ، ويا سيدتي تتصف الإبل بميزات كثيرة عن باقي الحيوانات ، فمن صفاتها الشكلية تتميز بوجود السنام والعنق الطويل وارتفاع قوائمها وخفها المستدير وهي تتوجه بشكل مجموعات أو فرادى نحو الشمس مباشرة وتبدل مسارها مع اتجاه الشمس كي تعرض أقل مساحة ممكنة من جسمها إلى أشعة الشمس المباشرة .... " استغربت هدى من الطالب وبدأت رحلتها الصحراوية معه والتي تجرعت فيها من الإبل ما تجرعت حتى استطاعت بحذاقتها أن تقتلع منه أذن الناقة وذيلها ، فرح الاستاذ باسم بهذا الانتصار العظيم فقد نسي حمزة الإبل في كتاباته ، بعد مرور أسابيع عاد حمزة إلى ما هو سابق إبله ، وراح يشتم ويتلمس ما خلفته الأبل مما يدل على مسيرها ، وصار حديث الساعة بالمدرسة ، فاستنفر الاستاذ باسم وغاض المدير وقررا إعادته إلى هدى الأخصائية التي أحالته إلى مركز متقدم في العلاج النفسي ، وضع حمزة بالمركز أياما ، حاول الطبيب النفسي "حازم " بشتى الوسائل ، من ترغيب وترهيب وأدوية وعقاقير حتى وصل إلى تنويمه مغناطيسياً والايحاء له بدنيا أخرى غير ما اعتاد ،لم يترك الطبيب حازم جهداً ولا حيلة إلا استعملها مع حمزة ، وصل الأمر إلى التهديد بحقنة تمسح الذاكرة نهائياً وتقتل خلاياها ، فكان آخر الدواء الكي ، وشفي حمزة نهائياً وانصرف للكتابة كما يريد الاستاذ باسم ، وأعيد إلى المدرسة ، وفرح به الاستاذ كثيراً ، فهذا ما سعى له ، وأثنى عليه المدير ثناءا لم يحظ به غيره ، أيها الطلاب عليكم أن تحذوا حذو هذا الطالب المتفوق ، بورك فيك يا حمزة ، أنت الآن رمز في هذه المدرسة ، بعد أن عدلت عن كتابتك السابقة .. لا تكترث .. التائب من الذنب كمن لا ذنب له .. فرح الطلاب وأقاموا له احتفالية بسيطة ، كان حمزة قد أكمل روايته الأولى وأهدى للأستاذ باسم وللمدير نسختين ، وأرسل للأخصائية هدى وللطبيب حازم نسختين من روايته التي عنونها بعنوان : " الجمل عابر الصحارى " كبر حمزة وامتلك قطيعاً من الإبل ، وأنشأ دار نشر ، أسماها " دار الجمل للنشر "
ولا زال يقحمه في كتاباته بقوله : و بالاضافة لضخامة هيكلها منحها الله الصبر وقوة التحمل والقدرة على التكيف مع جميع الظروف البيئية القاسية .